أيهما أخطر: الطائرة أم التكنولوجيا النووية؟

0 Comments

بعد السقوط الغريب للطائرة الألمانية "جيرمان وينجز" جنوبي فرنسا، تذكرت محاضرة أستاذي العزيز الدكتور رياض شويكاني عن التعرض الكامن ومفهومي الخطر والخطورة. فرجعت إليها وتأملت مخطط خطورة ممارسات المختلفة بالنسبة لخوف الجمهور منها، أنظر الشكل التالي.

مخطط الخطورة مقابل الرعب

يعبر الشكل السابق عن التعرض لمخاطر مختلفة. فنحن مثلاً نخاف من الجرائم أكثر من تسلق الجبال رغم أن الخطورة لكليهما واحدة. فكما يبدو فإن تقبل الإنسان للخطورة مرتبط كثيراً بالرعب الذي يرافق المجازفة.

لنقم بإجراء مقارنة بسيطة لضحايا التكنولوجيا النووية وضحايا السفر بالطائرات منذ عام 1970 حتى الآن، أي على مدار 45 عاماً.

ضحايا الطائرات منذ عام 1970 حتى الآن

سقطت طائرة ألمانية صباح الثلاثاء 23 آذار/مارس 2015 جنوبي فرنسا مما أدى لمقتل جميع ركابها البالغ عددهم 150 شخصاً. وكانت الطائرة وهي من طراز أي 320 تابعة لشركة "جيرمان وينجز" في طريقها إلى دوسلدورف الألمانية قادمة من برشلونة.

ولقي 23 شخصا على الأقل مصرعهم إثر تحطم طائرة ركاب تابعة لشركة "ترانس آسيا إيروايز" في عاصمة تايوان تايبيه. وذكرت وكالة الأنباء المركزية في تايوان أنه تم إنقاذ 15 شخصاً أحياء، فيما بقي عشرون شخصاً في عداد المفقودين. وتحطمت الطائرة من طراز "أي تي آر 72-600" ذات المحركين بعدما اصطدمت بجسر بعد مدة قصيرة من إقلاعها من مطار تايبيه بينما كانت في طريقها إلى جزيرة كينمين وعلى متنها 53 راكباً وطاقم من خمسة أفراد، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء المركزية.

وهذا الحادث الثاني للشركة خلال أقل من عام، ففي يوليو/تموز الماضي قتل 48 شخصاً حين تحطمت طائرة تابعة لترانس آسيا أثناء محاولتها الهبوط في جزيرة بينجو الصغيرة غربي تايوان.

شهد عام 2014 أقوى الحوادث في تاريخ الطيران المدني، حيث قتل ما مجموعه 970 شخصاً، فمعظم الضحايا في عام 2014 سقطوا في ثلاثة حوادث لحقت بالخطوط الجوية الماليزية. تعتبر رحلة "إم إتش17" للخطوط الجوية الماليزية واحدة من أكثر كوارث الطيران مأساوية، والتي ربما تعرضت لقصف صاروخي في الأجواء الأوكرانية أثناء رحلتها من أمستردام إلى كوالالمبور. وذهب ضحية هذه المأساة 298 شخصاً من بينهم العديد من الأطفال.

ونقلاً عن مكتب الطيران المدني في ألمانيا شهدت الأجواء الألمانية في عام 2002 معظم ضحايا حوادث الطيران المدني، حيث سقط 118 قتيلاً.

أما عام 2004 فقد شهد أقل الضحايا في الأجواء الألمانية بوفاة 23 شخصاً فقط.

وأكبر كارثة طيران وقعت في أوروبا كانت في مطار تنريفي بإسبانيا يوم 27 مارس/آذار 1977 حين اصطدمت طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية الهولندية أثناء الإقلاع بطائرة لشركة الطيران الأميركية "بان أم" كانت واقفة في المدرج، وذهب ضحية هذا الحادث 583 شخصاً.

مما سبق يكون إجمالي ضحايا الطيران حوالي 1900 شخص خلال 45 عاماً.

ضحايا التكنولوجيا النووية من عام 1970 حتى الآن

طبعاً بشمل كل أشكال استخدامات المصادر المشعة الطبية والصناعية وصولاً لمفاعلات الطاقة النووية، وبالنظر في كل الحوادث النووية والإشعاعية: فوكوشيما وتشيرنوبيل وثري مايل أيلند وغوايانا والعديد من الحوادث الإشعاعية حول العالم، وُجد أن عدد الضحايا حوالي 4100 شخص، ولكن الغريب أن العدد الأكبر من الضحايا هو في حادث تشيرنوبيل الذي وقع عام 1986 في الاتحاد السوفياتي، الذي قضى فيه حوالي 4000 شخص! والسبب في هذا العدد الكبير هو تعنت السلطات السوفياتية والتكتم عن الحادث بسبب الحرب الباردة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والجدير بالذكر أن الحادثة نفسها لم تعلن عنها السلطات الرسمية السوفيتية إلا بعد أن اكتشفت أجهزة مراقبة الإشعاع السويدية الموجودة على الحدود (شبكة الإنذار المبكر) وجود نسبة مرتفعة من الإشعاع في مدينة فورس مارك وذلك بعد يومين من الحادثة، وتبين بعد البحث والتحقيق أن الإشعاع قادم من جنوب شرقي المنطقة حيث جمهورية أوكرانيا، وعندها طلبت الحكومة السويدية من سفيرها في موسكو الاتصال رسمياً بالسلطات السوفيتية للتعرف على مصدر الإشعاع. وهكذا افتضح أمر الحادث ولم يستطع الاتحاد السوفياتي كتم الخبر أكثر ولكن الأمر كان قد تفاقم وتعرض آلاف العاملين والجمهور للإشعاع بالإضافة إلى ضعف الاستعداد والاستجابة لدى السوفيات لمثل تلك الحوادث.

أما في حادث فوكوشيما النووي الذي وقع نتيجة كارثة مركبة (أي زلزال وتسونامي) فلم يسفر عن أي قتيل بالإشعاع وذلك يعود لجهود الحكومة اليابانية الجبارة واستعدادها المسبق واستجابتها السريعة للكارثة.

الخلاصة

لا شك أن 4100 عدد كبير جداً ولكن من ناحية أخرى إذا لم نشمل كارثة تشيرنوبيل للأسباب المذكورة من الحرب الباردة واستهتار السلطات السوفياتية بحياة الجمهور، يهوي العدد إلى 100، وهو صغير جداً مقارنةً بـ 1900 في الطيران المدني. لكل ممارسة نقوم بها حتى في حياتنا اليومية البسيطة هوامش للخطورة، فمثلاً كيف تشعر بالأمان ويوجد قنبلة في بيتك (قارورة الغاز) بل وتشعل النار بمحاذاتها؟! وكيف تقود سيارتك وهي معرضة للانفجار في كل لحظة؟!

لا يزال الناس يخافون من المفاعلات النووية وكل ما يتعلق بالمصادر المشعة، بسبب الهجوم الشرس من وسائل الإعلام أو من يرغب بالوصول للسلطة مثلاً كحزب الخضر في الكثير من الدول. ومن ناحية أخرى، يسافر الملايين بالطائرات كل يوم بل إن سوق الطيران في نمو مستمر، ويقدّر الاتحاد الدولي للنقل الجوي أن يصل عدد المسافرين خلال العشرين سنة القادمة إلى حوالي سبعة مليارات وثلاثمائة مليون مسافر في السنة الواحدة، أي ضعف عدد المسافرين لعام 2014.

كل ذلك يعود إلى تقبل الجمهور لخطورة ممارسة ما!

سامر عبد الرزاق بكر

المراجع
محاضرات د. رياض شويكاني-جامعة دمشق
دويتشه فيله (الموجة الألمانية)
شبكة الجزيرة
ويكيبيديا الموسوعة الحرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

جميع حقوق النشر محفوظة لموقع الفيزياء الإشعاعية والوقاية