الأشعة السينية وإِنتاجُها

0 Comments

Crookes_tube_xray_experiment

في عام 1895م اكتشف العالم الألماني رونتجن Roentgen الأشعة السينية إثر إجرائه لبعض التجارب على أشعة المهبط، حيث لفت انتباهه توهج ضوئي يبعد عدة أقدام عن أنبوبة أشعة المهبط، التي كانت محاطة تماماً بورق مقوى أسود منبعثة عن ورقة مطلية ببلاتين سيانايد الباريوم وبإيقاف وتشغيل جهازه تأكد أن ظاهرة Fluorescence  التي شاهدها مرتبطة بأنبوبة أشعة المهبط.

ونظراً لمعرفته بأن أشعة المهبط لايمكنها قطع هذه المسافة فقد استنتج أنه قد تم إنتاج نوعاً آخر من الأشعة أشد قوة. ولعدم علمه بخواصها أسماها أشعة –X (أي الاشعة المجهولة أو الأشعة السينية). وقد اتضح من دراسة خصائص تلك الأشعة الجديدة أن بمقدورها اختراق عدد من المواد المعتمة للضوء مثل الورق والخشب وصفائح المعادن وتنتج فلورة تسبب اسوداد الألواح الفوتوغرافية، وتؤين الغاز.

أولاً: أنبوب الأشعة السينية X-Ray Tube

يتكون أنبوب الأشعة السينية من حاوية من الزجاج تحت تفريغ عالي. في أحد طرفيها يوجد المهبط Cathode بينما يوجد المصعد Anode في الطرف الآخر، حيث المهبط يمثل القطب السالب Negative Electrode والمصعد يمثل القطب الموجب Positive Electrode. ويتكون المهبط من فتيلة من مادة التنجستن Tungsten والتي تقوم بدورها بإصدار الإلكترونات، وتسمى هذه الظاهرة بظاهرة الانبعاث الأيوني الحراري Thermionic Emission. الشكل التالي هو عبارة عن رسم توضيحي لأنبوب الأشعة السينية:

x-_ray_tube-140C294C9BC6BE6106E
رسم توضيحي لأنبوب الأشعة السينية
  • المصعد The Anode

هو عبارة عن قضيب من النحاس مصنوع من التنجستن. عندما يطبق فرق جهد عالي بين المصعد والمهبط فان الإلكترونات المتولدة سوف تتسارع متجهة نحو المصعد فتتولد الاشعة السينية نتيجة الانحراف المفاجئ في مسار هذه الإلكترونات. إن اختيار التنجستن كمادة هدف في إنتاج الأشعة السينية كان بسبب ارتفاع العدد الذري Z  (العدد الذري للتنجستن = 74 ودرجة انصهاره = 33700).

يعتبر التخلص من حرارة الهدف من المتطلبات المهمة في تصميم المصعد. وقد تم التخلص من حرارة مادة الهدف عن طريق التوصيل الحراري عبر قضيب المصعد المصنوع من النحاس إلى خارج الانبوب حيث يتم تبريدها فيما بعد باستخدام الزيت، الماء أو الهواء. وهناك نوع من المصاعد الذي يتحرك حركة دائرية سريعة وذلك لتوزيع الحرارة المتولدة على أكبر مساحة ممكنة من مادة الهدف. هذه الحرارة فيما بعد تبعث إلى مخزن من الزيت محيط بالأنبوب.

بعضاً من المصاعد الثابتة تكون محاطة بنحاس وتنجستن آخران واللذان يعملان كواق من الإلكترونات الضالة التي هي عبارة عن إلكترونات ثانوية تم إنتاجها في مادة الهدف عندما سقطت عليها الإلكترونات الرئيسية. بينما يمتص النحاس الإلكترونات الثانوية، فقناع التنجستن المحيط سوف يمتص الأشعة السينية غير المرغوب فيها والناشئة من النحاس.

ومن المتطلبات المهمة في تصميم المصعد هي أبعاد مساحة مادة الهدف التي يتم انبعاث الأشعة السينية منها، هذه المساحة، التي تسمى النقطة البؤرية Focal Spot لابد أن تكون أصغر ما يمكن وذلك في حالة أنابيب الأشعة السينية المستخدمة للتشخيص، مع العلم أن المساحات الصغيرة تولد حرارة أكبر لكل وحدة مساحة من الهدف وعلى هذا فإنها تحد من كمية التيار وكمية التعرض Exposure.

في أنابيب الأشعة السينية المستخدمة، تكون زوايا الهدف صغيرة تتراوح بين 60 و 170 وذلك للحصول على نقاط بؤرية ظاهرة تتراوح من 0.1 X 0.1 إلى mm2  2 X 2.

وحيث أن الأشعة السينية يتم إنتاجها على أعماق مختلفة من الهدف، فإنها سوف تعاني من كميات مختلفة من التخفيف داخل الهدف نفسة وسوف يكون هناك تخفيفاً أكبر للأشعة السينية القادمة من أعماق الهدف وتخفيفاً أقل للأشعة السينية القادمة من سطح الهدف. وتبعاً لذلك فإن شدة الأشعة السينية تتناقص من المهبط في اتجاه المصعد. هذا التغيير عبر شعاع الأشعة السينية يسمى بتأثير المَيَلان Heel Effect هذا التأثير يكون أكبر وضوحاً في أنابيب الأشعة السينية المستخدمة في التشخيص وذلك بسبب انخفاض طاقاتها إضافة إلى المَيَلان البسيط للمصعد. هذه المشكلة يمكن التغلب عليها باستخدام فلتر معوِّض Compensating Filter ليعطي تخفيفاً تفاضلياً عبر الشعاع ولتحسين انتظام الشعاع.

صُمِمَت أنابيب الأشعة السينية التشخيصية من أجل إنتاج صورة لجزء من جسم المريض محددة وواضحة الظلال والحدود. ومن أجل أن تكون الصورة واضحة ومحددة فإن الأشعة السينية المستخدمة يجب أن تكون قادمة من مصدر نقطي Point Source وتكون الفترة الزمنية للتعرض الإشعاعي للمريض قليلة لضمان ثبات المريض أثناء الجرعة الإشعاعية.

  • المهبط The Cathode

يتكون المهبط في أنبوبة الأشعة السينية من سلك فتيل Wire Filament، ودائرة تيار الفتيل، وكأس لتركيز الإلكترونات مشحون بشحنة سالبة Negatively Charge Focusing Cup. دور هذا الكأس هو تركيز الإلكترونات في اتجاه المصعد حتى تصطدم بالهدف عند نقطة محددة وهي النقطة البؤرية. مادة الفتيل مصنوعة من التنجستن وذلك لارتفاع درجة تحملها للحرارة العالية.

ثانياً: فيزياء إنتاج الأشعة السينية Physics of X-Ray Production

هناك طريقتان لإنتاج الأشعة السينية أحدهما تنتج ما يسمى أشعة –X الكبح Bremsstrahlung x-ray والأخرى تنتج أشعة –X المميزة Characteristic x-ray.

  • أشعة الكبح Bremsstrahlung x-ray

عملية إنتاج أشعة الكبح تتم عندما يتفاعل إلكترون ذو سرعة عالية مع النواة. عندما يمر الإلكترون بالقرب من النواة  فإنه سوف ينحرف عن مساره الأصلي وذلك بفعل القوى الكولومية Coulomb Forces التجاذبية فيفقد طاقته على هيئة Bremsstrahlung x-ray، وهي ظاهرة تنبأت بها نظرية ماكسويل العامة للأشعة الكهرومغناطيسية. طبقاً لهذه النظرية تنتشر الطاقة خلال الفراغ بواسطة المجال الكهرومغناطيسي. فعندما يقترب الإلكترون، ومعه مجاله الكهرومغناطيسي المصاحب له، من مجال النواة فإنه سوف يعاني انحرافاً وتسارعاً سلبياً مفاجئين نتيجة لهذا، فإن جزءاً أو جميع طاقته سوف تنحل عنه وتنتشر في الفراغ على صورة أشعة كهرومغناطيسية. عملية إنتاج هذه الأشعة موضحة بالشكل التالي:

Bremsstrahlung x-ray

وحيث أن الإلكترون ربما يتفاعل مع المادة مرة واحدة أو أكثر لإنتاج أشعة  Bremsstrahlung x-ray والتفاعل الواحد ربما يؤدي إلى فقد جزئي أو كلي لطاقة الإلكترون، وعلى هذا فإن الفوتون الناتج سيمتلك طاقة قد تصل إلى الطاقة الأصلية للإلكترون الساقط. كذلك الحال بالنسبة لاتجاه انبعاث أشعة Bremsstrahlung x-ray فإنه يعتمد على طلقة الإلكترونات الساقطة فعند طاقات الإلكترونات الاقل من 100 Kev سيكون اتجاه انبعاث الأشعة السينية متساوٍ تقريباً في جميع الاتجاهات. وبزيادة الطاقة الحركية للإلكترونات فسيكون اتجاه انبعاث الأشعة السينية نحو الأمام. فعلى هذا، فإن النوع النافذ من الأهداف يستخدم في حالة الأشعة السينية ذات الطاقات العالية جداً (المسرعات الخطية) التي تصطدم فيها الإلكترونات من جهة وتنتج الأشعة السينية من الجهة الأخرى. فقد الطاقة لكل ذرة بواسطة الإلكترونات يعتمد على مربع العدد الذري Z2 لذا فإن احتمالية إنتاج أشعة Bremsstrahlung x-ray تختلف على حسب Z2 لمادة الهدف وكفاءة إنتاج الأشعة السينية تعتمد على العدد الذري Z مرفوع للقوى الأولى وفرق الجهد المسلط على الأنبوب.

  • الأشعة السينية المميزة  Characteristic x-ray

الإلكترونات الساقطة على الهدف يمكنها أيضا أن تولد الأشعة السينية المميزةCharacteristic x-ray ، عملية إنتاج هذه الأشعة موضحة بالشكل التالي:

WCharacteristicRad
رسم يوضح إنتاج الأشعة المميزة

الإلكترون الساقط الذي يحمل طاقة حركية قدرها E0 يمكنه التفاعل مع ذرات مادة الهدف بطرد إلكترون من المدارات K أو L أو  M تاركاً الذرة مؤينة. هذا الإلكترون المطرود سيحمل طاقة قدرها E- ΔE حيث ΔE هي طاقة ربطه في مداره الذي خرج منه. فعندما توجد فجوة في المدار فسوف يسقط إلكترون من مدار خارجي لملء تلك الفجوة. وفي تلك العملية ستنطلق الطاقة على شكل أشعة كهرومغناطيسية. هذه الأشعة تسمى الأشعة المميزة Characteristic x-ray أي أنها مميزة لذرات الهدف وللمدارات التي حصل بينها انتقال الإلكترون. عند الأعداد الذرية العالية لمادة الهدف والانتقالات الإلكترونية بين المدارات الداخلية K أو L أو M أو N فإن الأشعة المميزة المنبعثة ستحمل طاقة عالية تستحق الاهتمام في دراسة طيف الأشعة السينية. الجدول التالي يوضح أهم الإشعاعات المميزة الناتجة في هدف التنجستن.

1

وجب التوضيح بأنه على النقيض من أشعة الكبح Bremsstrahlung، الأشعة المميزة تبعث على هيئة طاقات متقطعة (منفصلة) Discrete Energies فإذا كان الانتقال من مدار L إلى المدار K فإن الفوتون المنبعث سيحمل طاقة قدرها

Hѵ = El - Ek

حيث Ek و Eهي طاقات الربط للإلكترون في المدار K والمدار L على التوالي. طاقة العتبة Threshold Energy التي لابد للإلكترون الساقط أن يمتلكها ليخرج الإلكترون الهدف من مداره تسمى طاقة الامتصاص الحرجة Critical Absorption Energy.

ثالثاً: طيف الأشعة السينية الناتجة  X-Ray Spectrum

  • الطيف المتصل The Continuous Spectrum

إن العدد الأكبر من الإلكترونات التي تصطدم مع هدف أنبوب الأشعة السينية لا تعاني تصادمات رأسية Head-on Collision مع ذرات الهدف وإنما تشترك في تصادمات جزئية تكون نتيجتها فقدان جزء من الطاقة الحركية لهذه الإلكترونات مما يحدث تباطأً سريعاً في حركتها، ونتيجة لهذا التباطؤ تنبعث من الإلكترونات نبضة طاقية من الأشعة السينية، وبيقة الطاقة تظهر على شكل حرارة. ويعطى رياضياً بمعادلة كرامر Kramer’s Equation:

(IE = KZ (Em – E

حيث

IE هي كثافة الفوتونات ذات الطاقة E،

Z العدد الذري لمادة الهدف،

Em هي الطاقة القصوى للإلكترون،

 K ثابت.

إن أقصى طاقة ممكنة لفوتون Bremsstrahlung هي طاقة الفوتون الساقط. أقصى طاقة بوحدة (Kilo-electron Volt (Kev تساوي فرق الجهد المسلط Applied Kilovolts peak ( KVp ولكن كثافة هذه الفوتونات تساوي صفراً كما استنتجته المعادلة السابقة، اي أن (IE = 0  عندما E = Em ).

إن طيف الطاقة غير المصفى Unfiltered Energy Spectrum، يتعدل بوضوح كلما عانت الفوتونات تصفية ذاتية (امتصاص من الهدف أو زجاج جدار الأنبوب أو نافذة البرليوم الزجاجية). الفلترة الذاتية Inherent Filter في أنبوب الأشعة السينية الاعتيادية غالباً تكون مكافئة لحوالي 0.5-1 mm من الألومنيوم. أما التصفية بالفلترة الإضافية Added Filter فتضيف تعديلات أخرى على الطيف. الفلترة هذه تؤثر على الفوتونات ذات الطاقة المنخفضة ولكنها لا تؤثر بقدر يذكر على الفوتونات عالية الطاقة من الطيف.

إذاً الغرض من هذه الفلترة هو زيادة عدد الفوتونات ذات الطاقة العالية بامتصاص الفوتونات ذات الطاقة المنخفضة. فكلما زادت التصفية، فإن الشعاع النافذ سيزداد قوة، بمعنى أنه تصل إلى طاقة متوسطة أعلى وعليه تزداد قوة الاختراق. لذا فإن إضافة فلتر هي أحد طرق تحسين قدرة الاختراق للشعاع. الطريقة الأخرى، هي زيادة الجهد المسلط على الأنبوب. وحيث أن الكثافة الكلية للشعاع تتناقص مع زيادة الفلترة وتتزايد مع الجهد، فيجب الموازنة في الاختيار بين كل من الفلترة والجهد المسلط على الانبوب للحصول على قدرة اختراق معقولة وكثافة مقبولة.

ان شكل طيف طاقة الأشعة السينية ما هو إلا نتيجة الجهد المتردد المسلط على الانبوب والتفاعلات المتعددة لأشعة الكبح خلال مادة الهدف والتصفية في الشعاع. وحتى لو ازدادت طاقة أنبوب الأشعة السينية بجهد ثابت، فإن شعاع -X سوف يظل غير متجانساً في الطاقة بسبب العمليات المتعددة لأشعة الكبح التي ينتج عنها طاقات مختلفة للفوتونات.

ولأن الأشعة السينية تحتوي على توزيع طيفي للطاقة يعتمد على كلٍ من الجهد المسلط والفلترة، فإنه من الصعب أن توصف وتميز جودة الشعاع بدلالة الطاقة، قدرة الاختراق، أو درجة قوة الشعاع Degree of Beam Hardening . ولكن عموماً فإن هناك عدة فلسفات لإيجاد متوسط طاقة الأشعة السينية ويمكن حالياً قبول أنها تساوي تقريباً ثلثاً واحداً من أقصى طاقة أو KVp.

  • الطيف المنفصل Discrete Spectrum

 ينشأ الطيف المنفصل (المميز) من التفاعلات الفردية مع إلكترون الذرة حيث يمكن للإلكترون الساقط أن يزيل إلكترون آخر من مداره وتستطيع هذه الذرة الفاقدة لأحد إلكتروناتها أن تتخلص من طاقة إثارتها بإطلاق فوتون أشعة -X وذلك بسقوط إلكترون من مدار آخر في الفراغ الموجود.

المصدر: كتاب الإشعاع والعلاج الإشعاعي – د. سمير نتو

تحرير بتصرف: مؤيد عيسى إسماعيل

تدقيق: جواهر عبدو

One Reply to “الأشعة السينية وإِنتاجُها”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

جميع حقوق النشر محفوظة لموقع الفيزياء الإشعاعية والوقاية